من أعلى قمم جبال القنطرة الشامخة تبدو ملامح الصحراء، رمال ذهبية وهاجة، سماء زرقاء صافية وواحات الزيبان الخضراء منبسطة على أديم البراري البعيدة.
هنك وفي جوف الأوراس تقع عروس الزيبان بســكرة، بلد المناظر الخلابة المتنوعة والهواء النقي، بلد الجود
والضيافة، بلد التمور اللذيذة الصناعة التقليدية العريقة.
لقد استقطبت هذه المدينة التاريخية اهتمام ومحبة كل الزوار الذين حلوا بها وعاشوا تحت سمائها، شعراء، فنانون، أدباء، قناصون، رياضيون ومؤرخــون. وجدوا كلهم في هذه البلاد الجميلة أحلامهم، إلهامهم وذكرياتهم فكتبوا وكتبوا عنها دون ملل، كتب عنها المؤرخ الكبير بن خلدون والأديب الفرنسي اندريه جيد وغيرهم.
بســكرة، سكرة، فسيـرا، ادبسران… كل هذه الأسماء اختلف المؤرخون العرب منهم والأجانب حول حقيقتها فمنهم من يرى أن اسمها ينحدر من التسمية الرومانية (فسيرا) VESCERA والتي تعني حقيقته محطة أو مقر للتبادل
التجاري نظرا لموقعها الجغرافي الذي يربط الشمال بالجنوب، لكن الزعيم الروماني بتوليميه بن يوبا الثاني يعطيها اسما آخر هو وادي القدر نسبة إلى وادي سيدي زرزور حاليا، ويرى آخرون اسمها ينحدر أيضا من تسمية رومانية قديمة (ادبرسان) نسبة إلى المنبع المائي المعدني حمام الصالحين (حاليا). أما الرأي الآخر فيرى أصحابه أن اسمها الحقيقي هو (سكرة) نزرا لتمورها الحلوة اللذيذة الموجودة بكثرة في واحاتها.
بين هذا الاسم وذاك تبقى بسكرة على مر الزمن مرتبطة بتاريخ منطقة الزيبان الممتدة شرقا إلى شط ملغيغ وغربا إلى وادي جدي وطولقة.
كان يعيش سكان منطقة بسكرة في الألفية الثالثة قبل الميلاد على صيد الحيوانات المتوحشة وبيعها إلى الرومان الذين يستغلونها للتدجين والألعاب البهلوانية حتى ظهور الفلاحة سنة 200 ق.م.
لقد عرفت منطقة الزيبان إبان الإحتلال الروماني عدة انتفاضات ومقاومات عنيفة وخاصة تلك البطولية التي فادها الزعيم البربري (تكفاريناس) تلاه بعد ذلك القائد العسكري الباسل يوغرطة الذي قاوم بدوره الجيش الروماني في نوميديا وساعده في ذلك سكان المنطقة حيث قدموا له العون البشري والسلاح حتى سقوطه.
بعد فترة من الزمن استعاد الرومان سيطرتهم بالقوة على المنطقة تحت قيادة سليمان حيث أقاموا موانع محصنة تحميهم من الإنتقامات الشعبية وظلوا على هذه الحال حتى مجيئ الفاتح العربي عقبة بن نافع الفهري وذلك في أواسط القرن السابع للميلاد حيث دخلت المنطقة في عهد جديد عهد الإسلام، ولدى عودته من المغرب وبعد عشرين سنة تم اغتيال هذا القائد العربي سنة 683م بقرية تبعد بأربع (4) كيلوميترات عن الواحة الحالية المسماة سيدي عقبة أين يوجد ضريحه بمسجدها الذي يحمل اسم هذا الفاتح العربي العظيم الذي سجل تاريخ المغرب بأحرف من ذهب.
في بداية القرن العاشر الميلادي غزت ملوك بني حماد مدينة بسكرة ونواحي الزيبان تلتهم بعد ذلك قبيلة (الأثبند) من بني هلال التي استولت على ثروات وأملاك السكان الذين استنجدوا بالموحدين بمملكة مراكش وذلك في القرن الثاني عشر للميلاد.
إبان القرن الرابع عشر ميلادي دخل الحفصيون إلى تونس فاتحين حيث ظلت تحت مراقبتهم تارة وتحت مراقبة المارينيين وبني عبد الوادي والزناتيين من فاس وتلمسان تارة أخرى.
في السنة 1541م دخل الأتراك فاتحين البلاد تحت قيادة حسين آغا الذي دافع عن مدينة الجزائر وطرد قوات شارل كينت
منها.
وهكذا استمر التمرد والعصيان حتى ثورة الزعاطشة سنة 1849م التي امتد لهيبها وعم منطقة الزيبان كلها تحت قيادة البطل الشهيد بوزيان الذي حارب المستعمر الدخيل مدة سبعة أشهر انتهت هذه الثورة بتحطيم (القرية) واستشهاد بوزيان وعدد كبير من المجاهدين. لكن هذه الهزيمة لم تقلل من قيمة السكان ولم تثنيهم عن إصرارهم للتخلص من المستعمر الفرنسي الغاصب حيث شنوا عدة حروب شعواء من بينها ثورة القمري سنة 1879م.
تعتبر منطقة الزيبان منطقة خصبة ومهدا للحضارة والعلوم والثقافة ومركزا للإشعاع الديني وقلعة خالدة في تاريخ ثورة نوفمبر التحريرية المجيدة التي حررت الوطن من عبودية المستعمر.
بهذا التاريخ الحافل بالأمجاد والبطولات بهذا الماضي العريق ستضل بسكرة زاخرة بمجدها وتاريخها وحضارتها التي هي جزء من تاريخ وطننا الجزائر.