عبد الحميد بن باديسهو
الإمام عبد الحميد بن باديس (1307-1358هجرية) الموافقة لـ (1889-1940)
من رجالات الإصلاح في الوطن العربي ورائد النهضة الإسلامية في الجزائر،
ومؤسس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.
مولده ونشأتههو عبد الحميد بن محمد المصطفى بن المكي بن محمد كحّول بن الحاج علي النوري
بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن بركات بن عبد الرحمن بن باديس الصنهاجي.
ولد بمدينة قسنطينة عاصمة الشرق الجزائري، يوم الأربعاء 11 ربيع الثاني 1307 هـ الموافق لـ5 ديسمبر 1889م
على الساعة الرابعة بعد الظهر، وسجل يوم الخميس 12 ربيع الثاني 1307هـ
الموافق لـ 5 ديسمبر 1889م في سجلات الحالة المدنية.
كان عبد الحميد الابن الأكبر لوالديه،فأمه هي: السيدة زهيرة بنت محمد بن عبد الجليل
بن جلّول من أسرة مشهور بقسنطينة لمدة أربعة قرون على الأقل،
وعائلة "ابن جلّول من قبيلة "بني معاف" المشهورة في جبال الأوراس،
انتقل أحد أفرادها إلى قسنطينة في عهد الأتراك العثمانيين وهناك تزوج
أميرة تركية هي جدة الأسرة (ابن جلول). ولنسب هذه الإمرأة العريق،
تزوجها محمد بن مصطفى بن باديس (متوفى 1951) والد عبد الحميد.
وكان والده مندوبا ماليا وعضوا في المجلس الأعلى وباش آغا لشرفي الجزائر،
ومستشارا بلديا بمدينة قسنطينة ووشحت فرنسا صدره بوسام الشرف قالب:فرنسي،
وقد احتل مكانة مرموقة بين جماعة الأشراف وكان من ذوي الفضل والخلق الحميد
ومن حفظة القرآن، ويعود إليه الفضل في إنقاذ سكان منطقة واد الزناتي
من الإبادة الجماعية سنة 1945 على إثر حوادث 8 ماي المشهورة،
وقد اشتغل بالإضافة إلى ذلك بالفلاحة والتجارة، وأثرى فيهما.
كان والده بارًا به يحبه ويتوسم فيه النباهة، فقد سهر على تربيته وتوجيهه
التوجيه الذي يتلاءم مع فطرته ومع تطلعات عائلته.
عبد الحميد بن باديس نفسه يعترف بفضل والده عليه منذ أن بصر النور
وفقد قال ذلك في حفل ختم تفسير القرآن سنة 1938 م، أمام حشد كبير من المدعوين
ثم نشره في مجلة الشهاب: إن الفضل يرجع أولاً إلى والدي الذي ربّاني تربية صالحة
ووجهني وجهة صالحة، ورضي لي العلم طريقة أتبعها ومشرباً أرده،
وبراني كالسهم وحماني من المكاره صغيراً وكبيراً، وكفاني كلف الحياة...
فالأشكرنه بلساني ولسانكم ما وسعني الشكر.».
أما اخوته الستة فهم:
الزبير المدعو المولود والعربي وسليم وعبد الملك ومحمود وعبد الحق،
وأما أختاه فهما نفيسة والبتول. كان أخوه الزبير محاميا وناشرا صحفيا
في الصحيفة الناطقة بالفرنسية "صدى الأهالي" L'Echo Indigène
ما بين 1933م – 1934م. كما تتلمذ الأستاذ عبد الحق على يد أخيه
الشيخ عبد الحميد بالجامع الأخضر وحصل على الشهادة الأهلية في شهر جوان
سنة 1940م على يد الشيخ مبارك الميلي بعد وفاة الشيخ بن باديس بحوالي شهرين.
طلبه للعلمختم عبد الحميد بن باديس حفظ القرآن وهو ابن ثلاث عشرة سنة،
ثم تتلمذ على الشيخ حمدان الونيسي، وهو من أوائل الشيوخ الذين كان لهم أثر
طيب في اتجاهه الديني، ولا ينسى ابن باديس أبداً وصية هذا الشيخ له:
"اقرأ العلم للعلم لا للوظيفة"، بل أخذ عليه عهداً ألا يقرب الوظائف الحكومية عند فرنسا.
في المدينة المنورةبعد أداء فريضة الحج مكث الشيخ ابن باديس في المدينة المنورة ثلاثة أشهر،
ألقى خلالها دروساً في المسجد النبوي، والتقى بشيخه السابق أبو حمدان الونيسي
وتعرف على رفيق دربه ونضاله فيما بعد الشيخ البشير الإبراهيمي.
وكان هذا التعارف من أنعم اللقاءات وأبركها، فقد تحادثا طويلاً عن طرق الإصلاح
في الجزائر واتفقا على خطة واضحة في ذلك. وفي المدينة اقترح عليه شيخه
الونيسي الإقامة والهجرة الدائمة، ولكن الشيخ حسين أحمد الهندي المقيم في المدينة
أشار عليه بالرجوع للجزائر لحاجتها إليه. زار ابن باديس بعد مغادرته الحجاز
بلاد الشام ومصر واجتمع برجال العلم والأدب وأعلام الدعوة السلفية،
وزار الأزهر واتصل بالشيخ بخيت المطيعي حاملاً له رسالة من الشيخ الونيس.
العودة إلى الجزائرعاد ابن باديس إلى الجزائر عام 1913 م واستقر في مدينة قسنطينة،
وشرع في العمل التربوي الذي صمم عليه، فبدأ بدروس للصغار ثم للكبار،
وكان المسجد هو المركز الرئيسي لنشاطه، ثم تبلورت لديه فكرة تأسيس
جمعية العلماء المسلمين، واهتماماته كثيرة لا يكتفي أو يقنع بوجهة واحدة،
فاتجه إلى الصحافة، وأصدر جريدة المنتقد عام 1925 م وأغلقت بعد العدد
الثامن عشر؛ فأصدر جريدة الشهاب الأسبوعية، التي بث فيها آراءه في الإصلاح،
واستمرت كجريدة حتى عام 1929 م ثم تحولت إلى مجلة شهرية علمية،
وكان شعارها: "لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها".
تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريينوذلك في سنة 1931 في نادي الترقي بالجزائر العاصمة.
أول توقف المجلة في شهر شعبان 1328 هـ (أيلول عام 1939 م)
بسبب اندلاع الحرب العالمية الثانية، وحتى لا يكتب فيها أي شيء تريده منه
الإدارة الفرنسية تأييداً لها، وفي سنة 1936 م دعا إلى مؤتمر إسلامي يضم
التنظيمات السياسية كافة من أجل دراسة قضية الجزائر، وقد وجه دعوته
من خلال جريدة لاديفانس التي تصدر بالفرنسية، واستجابت أكثر التنظيمات السياسية
لدعوته وكذلك بعض الشخصيات المستقلة، وأسفر المؤتمر عن المطالبة ببعض
الحقوق للجزائر، وتشكيل وفد سافر إلى فرنسا لعرض هذه المطالب وكان من ضمن
هذا الوفد ابن باديس والإبراهيمي والطيب العقبي ممثلين لجمعية العلماء،
ولكن فرنسا لم تستجب لأي مطلب وفشلت مهمة الوفد.
آثـــــــــاره:
لم يصل إلينا منها سوى:
1 – (تفسير ابن باديس)أو(مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير).
2 – (من هدي النبوة)أو(مجالس التذكير من كلام البشير النذير صلى الله عليه و سلم).
3 – (رجال السلف و نساؤه).
4 – (القصص الهادف).
5- (العقائد الإسلامية من الآيات القرآنية و الأحاديث النبوية).
6 – (مبادئ الأصول).
7 – (رسالة جواب سؤال عن سوء مقال).
8 – (العواصم من القواصم لأبي بكر بن العربي المالكي)تحقيق و تقديم.
كما جُمعت مقالاته في(الشهاب) و (البصائر)غيرهما و نشرت ضمن آثاره غير مرّة.
وفــــــاتــــه:توفي الشيخ عبد الحميد بن باديس – بعد حياة حافلة بجلائل الأعمال
مساء الثلاثاء 8 ربيع الأول سنة 1359هـ الموافق لـ 16 / 4 / 1940م،
و دفن في روضة أسرته، بحي الشهداء قرب مقبرة قسنطينة.
رحمه الله رحمة واسعة و غفر له.