سلام
جبتلكم قصة من واقع المراقبة الجوية وعلى لسان اخي الغالي المراقب الجوي (فادي)
في ليلة من ليالي الصيف المتقلبة الأجواء .......
كنت ذاهباً إلى موقع العمل في قسم الرادار .........
وكنت أري في السماء وأنا ذاهب للعمل بوادر سحب قادمة .
خالجني شعور أن هذه الليلة ستكون عاصفة كما كل الليالي في مثل هذا الوقت من كل عام .....
حيث ....
العواصف ...
الشديدة......
والسحب الرعدية الركامية.......
وكل أنواع الطقس يمر عليك في ليلة واحدة أوفي ما يتجاوز الــ 12 ساعة.
دخلت إلى غرفة الرادار وجدت الزملاء قد سبقوني إلى هناك وكان كل واحد منهم يتحضر لدخول الموقع لبداية العمل واستلام المواقع من الزملاء في النوبة السابقة ، وكان كل شيء على ما يرام.
وما هي إلا نصف ساعة من الوقت حتى بدا أن ما تخيلته قبل قد تحقق .
جهاز الفاكس يستقبل تحذير من الأرصاد الجوية بأن هناك عاصفة رعدية قادمة إلى المطار وقد تؤثر على حركة الطائرات ............
قرأت التحذير ، وقمت بالاتصال بأبراج المطارات التابعة لمراقبة الرادار وأبلغتهم عن الحالة لدينا وإبلاغ الطيارين عن حالة الجو .....
مررت على الزملاء الذين يعملون على الرادار وجدت أن الوضع سيء حيث أن السحب الركامية كانت واضحة المعالم على جهاز الرادار .......
وبحكم خبرتي قمت بالتحضير لدخول الموقع مكان زملائي .....
بحيث أن أقوم بدمج المواقع في موقع واحد حتى يتسنى لي التحكم بجميع الطائرات ( علماً أن الحركة ليست كثيفة)، والنظام يسمح لي بدمج ا لموقعين في موقع واحد ......
استلمت الموقعين من زملائي وقمت بالتحكم بالطائرات وكانت الحركة سلسة وغير معقدة ..........
بعد ذلك بحوالي نصف ساعة جاء اتصال من أحد الأبراج أن الرؤية معدومة ولا يمكن للطائرات النزول وبرج آخر يخبر أن لديهم رياح عاتية وأمطار غزيرة ...
قمت بإبلاغ الطائرات عن الوضع .........
بدأت الحركة في الزيادة وخصوصاً الطائرات القادمة .........
بدأت حالة الطقس تسوء أكثر فأكثر فهناك طائرتان حاولتا الهبوط ولم تستطيعا ............
وبعض الطائرات كانت تدور على موقع معين بانتظار تحسن الحالة الجوية .......
وفي خضم هذه الأحداث ..............
الهاتف يرن .......
يرد عليه أحد الأخوان .....
المتصل يريد التحدث مع المشرف الذي هو أنا .........
امسك بالسماعة وأنا أقول يالله عسى خير ( فمكالمات هذه الأوقات لا تأتي دائماً بخير ) ...........................
المتحدث مدير صيانة الرادار يخبرني أنهم سيوقفون الرادار حتى تتحسن حالة الطقس ..........
سألته والسبب قال : هذا هو النظام لديهم حينما تتعدى سرعة الرياح 50 عقدة يجب أن يطفأ الرادار خوفاً عليه من السقوط بسبب الريح ...........
قلت له : إذا كانت الرياح ستؤثر في جهاز الرادار وهو متحرك فسوف تؤثر فيه وهو ساكن .............
قال لي : هذه هي التعليمات وأنا أبلغك فقط .....
فقلت الطائرات........ المسافرين ........... البشر ......... الأرواح ....... الممتلكات .......... الوطن ...... ولم أسمع إلا صوت السماعة وهو يغلق الخط ...؟؟
يا للمفاجأة .......... الرادار سينطفئ والطائرات في السماء كل في فلك يسبحون ...... كل طائرة في اتجاه خارج الممرات الجوية .........
رجعت إلى الموقع وسميت الله وقلت بصوت مرتفع يارب ... يارب .. يارب .
رجعت ألملم معلومات الطائرات استعداداُ للعمل بدون رادار ... وأبلغت الطيارين عن الوضع .........
وماهي إلا لحظات والشاشة الممتلئة بالطائرات أو النقط التي تشير إلى موقع الطائرات خالية من أي شيء إلا الخطوط الجوية المرسومة عليها .........
يالله أصبحت كالأعمى الذي يتحسس طريقة بالظلام ................
ليس لك من مساعد إلا الله سبحانه ..........
الموجه مزدحمة بأصوات الطيارين ..........
الذي يطلب الهبوط ........
الذي يطلب الصعود ........
الذي يريد اتجاهاً لتجنب سحب رعدية ........
وهلم جره ........
وهناك من يصرخ يتوسل .... يطلب المساعدة ....
وأنا من فرط ما أنا فيه من موقف أصبحت أقف على ركبتي .....
من دون أن أشعر أسأل عن هذه الطيارة أين موقعها ......... والأخرى أين موقعها ......... أرشد هذا للهبوط إلى ارتفاع ما ........
وهذا إلى الصعود إلى ارتفاع ما ............
وهذا يسأل الذهاب إلى الدمام والأخر إلى جدة .......... حتى الطائرات العابرة على ارتفاعات عالية كانت تطلب الانحراف عن الممرات الجوية بسبب هذه السحب .
هناك من يصرخ ......... " طائرة على ارتفاع كذا تتجه نحوي " " طائرة أراها في جهاز الـ TCAS"وأنا أجيب لا عليك هذه الطائرة بعيده .............
أطمئن هذا وأساعد هذا ............
صراخ الطيارين في الموجه مخيف .........
تسمع صراخهم .... فتعيش وضعهم السيئ ........ وضع الركاب الذين يرتجفون خوفاً من المستقبل المظلم ......... لايدرون ماذا سيحصل لهم ... تعيش هذه الأوضاع وتحاول أن تطمئن الطيار الذي بدوره يطمئن الركاب ........
ضغوط متراكمة ......... أشعر أنني أحمل أثقالاُ عديدة تنهكني .....
أتحمل وأصبر فالفرج قريب ........
صحيح أنني لا أدري ما يدور حولي في الغرفة ، ولكني أعلم وأدري ما يدور في الجو ............ من خلال السؤال المتكرر عن مواقع الطائرات ....
وارتفاعاتها واتجاهاتها ......... كل ذلك من خلال الاتصال المباشر مع الطيار....
ولكن ما يخيفني هو الطقس المتقلب ، والعمل بدون رادار في أجوا ء كهذه وحركة طائرات كثيفة يعتبر شي من الانتحار .............
ليلة لم يمر على في تاريخي المهني مثلها .............
ليلة شممت فيها رائحة الموت تخرج على من شاشة الرادار المظلمة . .. . .
ليلة كنت أحس بملك الموت قريب مني .............
بقربي إما سيأخذ روحي من جسدي بسبب ما أنا فيه من الضغط ..........
أو سيأخذ أرواح كثيرة بسبب هذه الأجواء أو بسبب غلطة مني أو من طيار ....
كنت أتوقع حفلة موت تلك الليلة ............
لكن
سبحانه لطف بي ..........
ساعدني ........
ولأنني دعوته واستنجدت به سبحانه ..........
أعانني على ما أنا فيه من محنة عصيبة .
فالحمد لله من قبل ومن بعد ........
عشت هذه الفترة العصيبة لمدة ساعة ونصف .........
رأيت فيها العجب العجاب .......
مرت على أهوال كثيرة لن أنساها طوال حياتي ......
حينما هدأت الأجواء .........
ومرت السحب وهدأت الرياح ........
وانسابت حركة الطائرات .........
فجأة رجعت الصورة مرة أخرى ......
فهذه الطائرات مرة أخرى على شاشة الرادار ............
وأصبحت حركة الطائرات طبيعية ....
سلمت الموقع لزميل آخر ........ وخرجت ...
خرجت كالمجنون غير مصدق ماحدث ..........
اتجهت مباشرة إلى المصلى وسجدت لله شكراً على عونه ومساعدته ولطفه بي ، أن مرت هذه الأزمة على خير
شكرته ودموعي تنساب فرحاً بأن خرجت من هذه الأزمة ليس بأقل الخسائر كما يقولون ............
ولكن بدون خسارة والحمد لله ....
ولكن بدروس كثيرة ....... مفيدة .........لحياتي المهنية