الولاية 26 المدية
"للمدية فضل على كل بلدة - - - - - بصحة جو و اعتدال هواء
و ما هي إلا جنة قد تزخرفت - - - - بفاكهة طاب و أعذب ماء
محمد بن شنب"
للمدية زمن لا يستهان به ، فهي وليدة ألف عام أو يزيد، وهذا الزمن يصعب على الباحث أن يسلسل حقائقه ويرتب أطواره، لما له من تفرعات في عمق التاريخ، فالمدية أو التيطري الاسم الذي اشتقته من تاريخ مجيد، هذه المدينة العتيقة التي يعود تاريخها إلى عهد قديم أي حوالي 350هـ، مع أن الحقائق التاريخية تفند هذه الرواية بحيث قال أحد المؤرخين (المدية عتيقة قديمة،وأن المدية سبقت بني زيري وأنها أقدم من أشير…) فلو غصنا في تاريخ المدية لما استطعنا أن ننفذ من التفاصيل و الحقب التاريخية التي مرت بها، فقد تداولت عليها عدة حضارات وسكنتها الكثير من الشعوب، هي المدينة التي صنع أصالتها وتراثها الكثير من الشخصيات، والمدية اليوم من بين ولايات القطر الجزائري تتوفر على منتوج ثقافي، سياحي،وتاريخي وهي تقاطع مدينة تلمسان في عدة تقاليد لتشابه أنماط المعيشة لدى سكانها وطريقة عمرانهم، وأسلوب حياتهم حتى قيل أنها شقيقة تلمسان، ومع ذلك تبقى المدية تلك المدينة التي أنجبت الشيخ ابن شنب وفضيل اسكندر…وغيرهم، ويكفي أنها كانت عاصمة الولاية الرابعة التي لعبا دورا بارزا في مجابهة الاحتلال الفرنسي
الموقع الجغرافي
تقع ولاية المدية في الأطلس التلي،وتتربع على مساحة قدرها 8700 كلم2 وعلى ارتفاع 900 م من سطح البحر وتبعد عن العاصمة(الجزائر) بـ90 كلم2 شمالا
إداريا تضم الولاية 64 بلدية و 19 دائرة تحدها من الشمال ولاية البليدة و من الجنوب ولاية الجلفة و من الشرق ولايتي المسيلة و البويرة و غربا ولايتي ولاية عين الدفلى و تسمسيلت
المناخ
تعتبر الولاية بفضل موقعها الجغرافي همزة وصل بين الساحل والهضاب العليا بحيث تمتاز بشتاء بارد. و صيف حار و تسمى بوابة الأمطار بحيث تصل نسبة الأمطار فيها من 400 إلى 500 ملم سنويا. وهي تعرف بتساقط الثلوج
وهي ذات طابع فلاحي رعوي إذ تقدر الأراضي الفلاحية بمساحة 341.000 هكتار ومساحة غابية تقدر ب161.885 هكتار، وهي تتوفر على إمكانيات حقيقية للنشاطات الاقتصادية المتعددة وخاصة السياحية منها
السكان
حسب الإحصائيات الأخيرة لسنة 2005 فقد قدر عدد سكان الولاية بـ 896.458 نسمة
الصناعة التقليدية
الصناعات التقليدية بالولاية ذات طابع محلي و فني أصيل تعود جذورها إلى عهد قديم توارثته الأجيال و ما تزال تصاميم هذه الصناعات تجسدها أنامل أبناء هذه الولاية منها : الجلد – اللباس التقليدي – المجبود – السراجة – الخزف الفني – غزل الصوف –نسيج الزرابي –الأواني الطينية –النقش على الخشب –الزخرفة – وهذه الصناعات متواجدة في مناطق عديدة من الولاية أهمها : المدية، بني سليمان ،قصر البخاري، شلالة العذاورة ، بوغزول، تابلاط، عين بوسيف..الخ
عادات و تقاليد
بصمة الولاية في أكلاتها الشعبية معروفة :
كالعصبان ، البركوكس ، البرغل و البلبول و تقاليدها الخاصة في الأعراس و الوعدات و غيرها من المناسبات
تزخر ولاية المدية بمناطق أثرية مما يؤهلها لان تكون قطب جذاب للسياح ، فقد رسم جمال المناطق السياحية الهضاب والجبال الشامخة وكذا تنوع معالمها الأثرية وهي مدعمة بمرافق وهياكل سياحية نذكر منها:
فندق ومطعم المصلى -فندق موقرنو بالبرواقية - -فندق مرحا بالقصر البخاري - -مطعم القناعة بالمدية -بيت الشباب المدية
تملك الولاية رصيد ثري من الآثار التي ورثتها على حضارات غابرة
تقع هذه المدينة القديمة ببلدية جواب، ظهرت لاول مرة في التاريخ سنة 122 (ب.م) كانت مركزا حاميا - COHORTE - رومــانية، شيدت من طرف الامبراطور سيبتيموس سيفيروس ، ثم تحولت إلى مدينة كاملة في تخطيطها و تنظيمها العمراني DOCUMANUS - CARDUS ثم بدأت تضعف عسكريا في سنة 201 (ب.م) ، وكانت تابعة لموريطــانيا القيصرية و هي مصنفة بقرار وزارة الثقافة ج. ر. رقم 7 بتاريخ 23/01/1968 و قد أجرت فيهــا بعثة أجنبية حفرية تمخضت عنها نتائج جد هامة كما صدر عن نفس البعثة كتاب يلخص المعلومات التي لولاها لمــا إستطعنا تحديدها بدقــة
تقع هذه المدينة فوق سهل أو ربوة تطل على مدينة عين بوسيف و يرجع فضل تأسيسها لزيري بن مناد الصنهاجي في 324هـ/936م ووقع إختيار مكــانها لوفرة المياه وإطلالهــا على سفوح الجبــال الدائرة بها، زارها رحــالة وعلماء أجلاء كما كانت الحياة العلمية فيها رائجة، جلبت لها أشهر البنائين من إفريقيا والمسيلة.... كمــا شيدت بها القصور و الإقامات والحمــامات نذكر منها قصربنت السلطان الذي مــازالت بعض أطلاله شاهدة عليه. أجريت بها حفريات من 1950 إلى 1993 كشف النقاب عن كثير من الأسرار. مصنفة ج. ر. رقم 7 بتــاريخ 23/01/68
كانت إقــامة شتوية لبــاي بايلك التيطري، كما كانت أيضا مركزا إداريا لتسيير شؤون بايلك الوسط، وفي عهد الباي بومزراق شهدت مدينة المدية تشييد العديد من الأعمال منها المسجد المالكي و حوش البــاي، و بنــاء دار الباي أنجز فوق أنقــاض بنــاية رومــانية، شكلهــا و تخطيطها يشبه إلى حد بعيد العمــائر والإقامــات المتواجدة بالجزائر -إيــالة الجزائر- و التي يظهر فيها جليــا التــأثير المعمــاري المورسكي وتعتبر تحفة فنية فريدة في ولاية المدية تتربع على مساحة 57 آر/ 19 آر تكون قد شيدت في الفترة 1819 - 1821. كما إستعملها أيضا عبدالقادر الجزائري كمقر إداري و عسكري للخلافة إبان جهــاده ضد الإحتلال الفرنسي نصب فيها خليفته بن عيسى البركاني، الذي بنى له الباي مصطفى بومزراق ضريحا لأبيــه الشيخ البركــاني الذي وافته المنيــة بعد إحتفــاظ الأمير به. و هي بالتالي ترجع إلى العهد العثمــاني مصنفة بموجب قرار وزارة الثقــافة ج. ر رقم 48 بتاريخ 21/07/1993
يقع هذا المعلم الآثري في أعــالي المدينة في الجهة الجنوبية بحوالي 5،0 كلم عن وسط التجمع السكني للمدينة، شيد في سنة 1820 كإقامة صيفية، ينقسم إلى قسمين: القسم الخاص بحــرم البــاي و القسم العام الذي يحوي على قاعات الإستقبال و أسطبلات الخيل و بيوت الحرس و يشبه كثيرا قصر أحمد باي بقسنطينة و مــازالت بعض قاعاته تحافظ على عناصرها المعمــارية خاصة التزيينــات التي تغطي البيوت وتكسي الجدران، كمــا أن الخشب و الأبواب و الزجــاج يرجعون إلى نفس الفترة و المســاحة الإجمــالية للمبنى 70 آر / 83 آر ومع ذلك فهو غير مصنف
تقع هذه المئذنة عند مدخل باب السيد صحراوي القديم بالجهة الجنوبية للمدينة بمحاذاة قصر العدالة القديم، و هذه المئذنة للمسجد الحنفي الذي لم يبقى له أثر حيث إندثر و شيدت فوقه محطة للبنزين و هي أسطوانية الشكل و إرتفاعها حوالي 18 مترا ذات تأثير عثماني لأن المآذن في شمال إفريقيا مربعة الشكل مســاحتها حوالي 10م مربع و هي غير مصنفة. وتكون ترجع إلى 1819م. كمــا أننا نجهل مخطط المسجد الأصلي
يقع هذا المسجد بالقرب من دار البــاي إذ شيد في عهد مصطفى بومزراق على الأرجح و لا نعرف شيئــا عن تخطيطه الأول بحيث خضع هذا المسجد لإضافات وتوسيعات آخرها في سنــة 1982 غير أن لوحة رخامية باللغة العثمانية تشير إلى تاريخ إنشــاءه في ســنة ، و هو غير مصنف
هذه القنوات ترتكز على مجموعة من العقود يبلغ عددها سبعة عقود تحمل المجرى المــائي الذي كان يزود وسط مدينة المدية في الجهة الغربية، كما كان يزود أيضا الثكنة الرومــانية بالمياه كما دعمت هذه القنوات بتحصينات للمراقبة
تقع هذه المدينــة القديمة جنوب قصر البخاري بحوالي 10كلم و هي اليوم عبارة عن أطلال يرجع تأسيسها إلى العهد الرومــاني في القرن 205 و كان الفضل في تشييدها يرجع إلى القائد الرومــاني SEPTIMUS SEVERUS الذي أسس العديد من المدن و المدينة في شكل مستطيل غير متســاوي 300م / 200م كــان يحيط بها سورا قطره متران من الحجر الصلب بمحاذاة نهر، كما تشير المصادر والكتابات عن وجود لوحة حجرية تخلد SEVERUS و شخصين آخرين، كمــا كانت تشتهر أيضــا بصنـاعة الفخــار و التوابيت و هي مصنفة قديمــا بموجب قرار الحــاكم العام للجزائر 16/01/1932 و قرار 28/06/1956 ج. ر 09/10/1956 البلدية المختلطة لقصر البخــاري. و هي غير مصنفة أو بالأحرى لم يعد تصنيفهــا. مســاحتها الإجمــالية 9 هـ و 60 آر / 30آر
تقع هذه الحمامات حسب ما تشير إليه المصادر التاريخية تحت المبنى الحالي لمركز إعادة التربية على حوالي كيلومترين ش-ش مدينة البرواقية الحالية على الخط المتجه من البرواقية البويرة وربما من المحتمل خارج المبنى المذكور آنفا في إتجاه الجنوب، و هذا ما أكده الإكتشاف عند الشروع في تسوية المساحة لبناء مجموعة من السكنات بحيث أن الإستطلاع الأول مكننا من تحديد وجود جزء من حمام لإقامة رومانية و حتى الحصن - مركز إعادة التربية - شيد فوق مركز قديم جد هام و الذي قد يكون تكملة لمدينة تراناموزا كاسترا التي تعني الأقحوان. و الحمامات كانت تأخذ عناصرها من نهر يسير LES ISSERS عن وجود إمــا تراناموزا كاسترا أو تيرينــادي TIRINADI، لأن لوحتين حجريتين -كتابتين-اللتــان تعودان إلى فترة السيفيريـين تـــحددان تهــاني موجهة إلى شخصين في شكل تحيات شرفية خاصة و هذا المفهوم يعني أنها إهداءات أنجزت من طرف نبلاء محليين غير رومــانيين، و المصادر القديمة تشير أيضا عن توفر ثلاثة أحياء منها الحي الرئيسي الذي أنشــأ بالقرب من عناصر مياه
كمــا كانت أبراجا للمراقبة تحيط بالمدينة على امتداد 100م / 200م و البنــاية في حد ذاتها غير مصنفة كمــا أن الظروف الأمنية لم تسمح لنا من التعرف أكثر عليهــا
عمــوما كلمة خربة تستعمل للدلالة على الأطلال، و خربة السيوف المتواجدة بدراق عبارة عن بقايا لمدينة رومــانية صغيرة و التي كانت من قبل حصنا عسكريا تحتل مكانا إستراتيجيا بإطلالها على جبال الونشريس. بحيث كان يتعاطى قدماء جند الإمبراطورية الرومــانية الغربية فيها مهنة الزراعة بعد صدور قوانين تمنحهم التقسيم المئيني Centuriation فكانت أراضي المنطقة خصبة حتى دفعهم الأمر لان يستقدمون الدنيين Les PAGANIS المزارعين. يوجد فيهـا بقــايا أحصنة و أعمدة و توابيت تتربع على 25هـ وهي مصنفة في قائمة 1900 لكنه لم ينظر في إعادة تصنيفها.كما كانت تأوي عائلات قدمــاء المحاربين
هي عبارة عن حصن عسكري يأوي حامية رومانية و المصادر المكتوبة القديمة تذكرها كما تذكر جارتها قلعة تازة -TAZA- القريبة منها و يقولون عنها شرفة الجنوب، إستعملها الأمير عبدالقادر الجزائري كثكنة لجنده، كما شيد بها مصانع للبارود و الذخيرة الحربية و صناعة الأسلحة لكثافة غاباتهــا و هي غير مصنفة ولا نعرف شيئا عن تفاصيلها و هي تــابعة للجيش الشعبي الوطني
الحفريات الإنقاذية للوكالة الوطنية للآثــار هي التي إستطـاعت أن تحددها بعد إجراء الأعمال الأثرية بها عندما عثر عليها بالصدفة عند القيام بالأشغــال و هي ترجع إلى الفترة PAIENNE يعني فجر العهد العتيق القرن 1 ق.م قبل ظهور المسيحية في الجزائر عثر في عينة من توابيتهــا البسيطة على حلي وأدوات جنائزية كمـا أن الجثث كانت موجهة نحو الشرق لمعتقدات تؤمن بالحياة بعد الموت، الأمر الذي يدفعنا إلى القول بوجود مجموعة سكانية لها نظامها و بالتــالي مدينة. و هي غير مصنفة و لا تذكر المصــادر اي شيء عنهــا
النسيج الصناعي
تتوفر الولاية على 37 منطقة للنشاط الصناعي والإنتاجي موزعة عبر بلديات الولاية وثلاث ( 03) مناطق صناعية هامة هي:
- المنطقة الصناعية بالمدية بها مركب المضادات الحيوية –صيدال –
-المنطقة الصناعية بالبرواقية بها مركب الصناعات الميكانيكية .
-المنطقة الصناعية بقصر البخاري بها وحدة انتاج المحاصيل الزراعية
الجانب الثقافي
لكل مدنية هياكل ومؤسسات تحمل بداخلها ثقافة تسعى إلى سد الحاجيات الثقافية و الرياضية و الترفيهية لسكان الولاية يمثلها متحف المجاهد سي أحمد بوقرة –دار الثقافة – دور الشباب- المركب الرياضي الجواري -ملاعب كرة القدم -قاعات متعددة الرياضات -قاعة متعددة الخدمات للشباب -مكتبات عمومية ، المركز الجامعي يحي فارس.
مدينة المدية و نواحيها في العهد القديم
عندما ننظر إلى مكانة المدية في التاريخ القديم يواجهنا بصفة مستمرة سؤال ملح ، كيف كانت المدينة في القديم و في أي عصر ظهرت بالذات ….؟
و لكن حسب المعطيات التاريخية و النصوص ، نجد أن مدينة المدية في العهد القديم لم تكن مدينة كبيرة لها وزنها الاقتصادي و السياسي مثل قيرتا و قرطاجنة أو ايكوسيوم أو يول و لا أعتقد أن المدينة كانت موجودة قبل القرن الأول الميلادي أي في عهد موريطانية القيصرية التي تميزت ببروز نجم يوبا الثاني الذي حكم في يول (أي شرشال) و الذي تزعم عهدا جديدا عهد مملكة موريطانيا القيصرية ، وهو يمثل الملك المثقف الذي شجع و ناصر الفنون و العلوم بكل ما أوتي من قوة و قد ازدهرت في عهد هذا الملك الشاب الفنون الجميلة من نحت و رسم و نقش و طرب و موسيقى و غناء و رقص ، فكان عصره هذا عصرا ذهبيا و في هذا العهد بالذات برزت إلى الوجود مدن جزائرية رومانية الثقافة لكنها جزائرية الروح و نعني بذلك أن أهالي الجزائر أي النومديين قد ساهموا مساهمة فعالة في ظهور الحضارة الرومانية في الجزائر ، فعمال النحت و عمال البناء و الرسامون و النحاتون كان كثير منهم جزائريين ، و حتى عالم الفلسفة الدينية نجد فيما بعد ظهور القديس أوغستين الذي يعد مفكرا جزائريا أثرى ثقافة الكنيسة المسيحية بفكره النير ، و نضرب مثلا على ذلك بكتابه مدينة الله الذي يعد مصدرا رئيسيا في تاريخ الأديان و لكنه لا يسبق الكتب السماوية كالتوراة و الإنجيل التي تعد مصادر أساسية لا يمكن الإستغناء عنها في البرهنة على وجود الله ، و مما يجب ذكره أن القديس أوغسطين ظهر قبل الفتح الإسلامي بقرن من الزمان
ونعود إلى تاريخ مدينة المدية في القديم ، فيبدو أن المدينة لم تكن موجودة في العهد الفينيقي المبكر أو البوني أي مابين القرن العاشر ق.م حتى سقوط قرطاجنة في 146 ق.م و ذلك لأننا لم نعثر على أي دليل مادي أثري يبين أن لمبدية كما كانت تدعى في العهد الروماني كان لها وجود في عهد أبعد من ذلك
و في دراسة التاريخ لابد من الإعتماد على دلالات و الأثار و المصادر المكتوبة أو المسكوكات أي النقود لكي نبرهن على الحقائق التاريخية الملموسة فلمبدية LAMBADIA يبدو أنها ظهرت في القرن الأول الميلادي أو في القرن الثاني الميلادي على أكبر تقدير و لكنها لم تكن مدينة كبيرة و يرجح أو يغلب على الظن أنها كانت مدينة استعمارية تقيم فيها جالية رومانية مع خليط من الأهالي و لكن ليست لنا معلومات كافية لكي نؤكد قيام تعايش ووئام بين الجالية الرومانية و أهالي المدية من البربر أي السكان الأصليين للمنطقة ، لأن في العهد القديم لم يكن وجود لا للأتراك و لا للعرب ، وإنما كان هناك وجود بربري و تامزقيدة اسم بربري ، و تبرحين اسم بريري ، وحربيل اسم بربري ، و في منطقة بجاية يوجد نفس الإسم و هو حربيل فهذا يدل على أن منطقة المدية في القديم كان يقطنها البربر أي قبل الفتح الإسلامي ، ولكنه مع مجيء موسى بن نصير و عقبة بن نافع بجيوش الفاتحين المسلمين تغيرت الأوضاع و أصبحنا نعيش تاريخا جديدا امتاز بظهور حضارة سامية شعارها العروبة و الإسلام و امتاز الفتح العربي الأول بمقاومة البربر للإسلام و ذلك بسبب جهلهم لغاية الإسلام بدوافع اقليمية ضيقة
لا ندري بالضبط أصل تسمية الرومانية LAMBADIA التي أطلقت على مدينة المدية في عهد الإحتلال الروماني ، ولكن حسب ما وصلنا من معلومات تاريخية فإنه عثر على أثار تاريخية تعود إلى الحقبة الرومانية في العهد الفرنسي الإستعماري وذلك أثناء حفر أساس بناء المستشفى العسكري فعثر الفرنسيون من عسكريين و بنائين على رفات أي هياكل عظمية قديمة مع تحف و زهرية عليها صورة امرأة و فخار و نقود من البرونز و فانوسة لونها رمادي و بعد العثور على هذه الأثار قام مترجم الجيش الفرنسي و يدعى فرعون طالب بوضع جرد و احصائية شاملة للأثار الرومانية الموجودة على أنقاض مدينة لمبدية التي عثر على جزء منها تحت أساس و أنقاض المستشفى الذي شرع الفرنسيون في بنائه بالمدية بعدما تمت لهم السيطرة على المدينة في عام 1856 و قد طلب فرعون هذا من المراسلين حسبما جاء في تقرير لـ 1856 و المنشور بالمجلة الإفريقية R.A بأن يقوم المراسلون المختصون في عين المكان في المدية بكل جهد من أجل العثور على النقش الحجري الذي أشار إليه الجنرال دوفيفيي
و يتابع فرعون حديثة بنفس المقالة الصغيرة المنشورة بالمجلة الإفريقية عدد سنة 1856 : أنه من باب الإهتمام البالغ أن يتم العثور على أثر أثنين من شواهد القبور Deux épitaphes اللذين تم اكتشافهما أثناء القيام بأعمال الحفر من أجل بناء المستشفى و قد تم وضع شواهد القبور هذه في دار الخزينة القديمة
و يشير فرعون و لا ندري أصله بالضبط هل هو يهودي جزائري أم عربي أم ماذا ؟ و لكن على كل حال يشير أن هناك قطعة من الحجر منقوش يعود إلى العهد الروماني استعملت في قناة ماء المشتلة
و كانت لمبدية مدينة رومانية مثل باقي مدن موريطانية القيصرية في القرن الأول الميلادي و قد عرفت منطقة أو ناحية لمبدية ظهور مدن رومانية كثيرة في هذه الفترة بالذات فكانت مدينة أوزيا و هي سور الغزلان اليوم ، مركزا عسكريا مهما تم تشييد مباني المدينة على سفح نجد مرتفع يقع بين نهرين و عن طريق هذا النجد يمكن الالتحاق بالغرب أو الجنوب بكل سهولة و كانت أوزيا هذه بلدية في البداية ثم جعل منها سبتيموس سواريوس مستعمرة
وأقام المستعمرون الرومان مدينة Rapidum و هي سور جواب اليوم، على منحدر قائم في سهل بني سليمان الشهير ، بينما كانت تناراموزا Tharanamusa
و هي تمثل مدينة البرواقية في القديم و لو أنها تبعد عن المدينة الحديثة بكيلومترين تقريبا و كانت تناراموزا موجودة في الموقع الذي بني فيه موقع سجن البرواقية ، كما كانت لمبدية تحتل مكان المدية
و يحدد ستيفان قزال المؤرخ الفرنسي الشهير صاحب كتاب افريقيا الشمالية في ثمانية مجلدات، في كتابه الأطلس الأثري للجزائر، المواقع الأثرية الرومانية لمنطقة المدية فيذكر في كتابه Atlas Archéologique في الورقة 14، أرقام 8-9-10 إشارات إلى مواقع أثرية رومانية في جهة تابلاط بالمنطقة الجبلية منها ولكن جرى فيما بعد بحث مركز لإكتشاف المواقع الأثرية الرومانية بشكل محدد و معمق فقام بيتون Piton له شهادة في الحقوق و عضو الجمعية التاريخية لناحية سطيف بدارسة ميدانية مكنته من التعرف على كثب لبقايا الإحتلال الروماني في منطقة تابلاط
و قد وجدت آثار عديدة في أماكن مختلفة في المنطقة و التي كانت مرتبطة من الناحية الغربية ببن شاكو
و يشير بيتون أن الأثار الرومانية الهامة التي تم دراستها بالقرب من تابلاط من 1 كلم و 300 مترا جنوب غرب المدينة، وتبعد هذه الآثار بـ 3 كلم و 500 م عن وادي الحد ووادي اليسر ، وتحتوي هذه الآثار الرومانية عن بناء مستطيل طوله 70 مترا عرضا و 25 مترا عرضا و تبدو الحيطان ظاهرة للعيان وهي مصنوعة من أحجار كبيرة الحجم مقياسها 1م / على 60 سنتم و هناك مبنى آخر بجانب ذلك يجعلها نفترض وجود مراكز مراقبة رومانية و تموين ذات طابع عسكري ، ترمي للحفاظ على مراقبة الإتصال و حراسة البلد
و هناك بقايا رومانية في شمال تلك الآثار الآنف ذكرها و التي كانت كمركز مراقبة حيث نجد آثار بدون مخطط في مساحة مستطيلة 20 م مع قنوات للماء. و في شمال شرق مدينة تابلاط على بعد 1 كلم و 300 م نجد في تلارزاق آثارا رومانية في مساحة تقدر بـ : 100م2 تقريبا و هناك بقايا أحجار استعملت في البناء
و نعود إلى لمبدية الرومانية التي سبقت مدينة المدية العربية الإسلامية فالرحالة الألماني الذي هو من أصل انجليزي ذكر في كتابه ثلاث سنوات في شمال غرب افريقيا أن هناك جسر روماني كان موجودا في منتصف القرن 19 م قرب باب مدينة المدية يطبع على المنطقة أهمية تاريخية و يذكر أنه على الرغم من الأثار التاريخية التي عثر عليها هنا فإن الإتفاق لم يتم بعد حول موقع المدينة الرومانية التي أقيمت في المدية قديما أي أننا لا نعرف موقع لمبدية بالضبط. و جاء ذكر مدينة لامبديا في رحلة د. شو الإنجليزي و اعتمد على ما ذكره عنها بطليموس
و يذكر هاينريش فون مالتسان أن مدينة لامبديا كانت مدينة رومانية حصينة تحيطها أسوار ضخمة ( و هناك بقايا أحجار ذلك العهد ما زالت ماثلة إلى اليوم) و التي وصفت أب لامبديا في مجلس قرطاجنة عام 464 ميلادية بأنها مقام الأسقف
و رغم التشابه في النطق بين لامبديا و المدية فيرجح أن يكون اسم المدية الحالي مشتق من اسم عربي مع العلم أن المدية الإسلامية جاء ذكرها في كتب التاريخ العربية فقد أوردها ابن خلدون و البكري و الحسن الوزان الذين زاروا مدينة المدية في العصر الحديث.